31.07.2017

أنا هناء أبو بدر، عمري 34 عام من قرية اللقية قرب بئر السبع، وهي قرية معروفة في النقب. وُلدت من غير إعاقة، ولكن عندما بلغت أكثر من عام بقليل، أكتشفوا وجود شلل الأطفال لدي، ومن هنا بدأت الإجراءات التي قامت بها عائلتي، فأخذوني إلى عدة أدوار في مستشفيات ومعاهد مختلفة كتطور الطفل وغيرها. أجريت لي الكثير من العمليات الجراحية في مستشفى سوروكا، وكانت إحداها بالخطأ. لم يكن أبي راضيًا، تقابل بالمصادفة مع أحد البروفيسورات في مستشفى سوروكا، وقد أخبره عن مستشفى هيلين، وهو مستشفى يختص في طب الأطفال مع إعاقة، واقترح عليه بأن ينقلني إلى هناك. قال بأننا نضيع الوقت في مستشفى سوروكا. وبالفعل فقد انتقل إلى هناك وبقيت في ذلك المستشفى ما يقارب ال5 سنوات- تقريبا حتى أصبحت أبلغ ال5 سنوات. لقد ساعدوني كثيرا فيما يتعلق بموضوع المشي، تركيب الأجهزة في الأرجل، وأخيرا عدت إلى عائلتي لأسكن معهم في المنزل أخيرااا… بعد عودتي إلى المنزل أرادوا أن أذهب إلى روضة للتربية الخاصة، أبي اعترض ولم يوافق، وقال بأن ابنته ذكية وتستطيع التعلم في روضة عادية- وبالضبط هذا ما حدث. تعلمت في الروضة العادية وفي كل المدارس العادية (في جميع المراحل الدراسية)، وكنت أواجه مشاكل في جميع الأطر تتعلق بالإتاحة. في المدرسة الابتدائية مثلا لم تكن هناك مراحيض متاحة، ولكن أبي حارب وأصر حتى أحضروا في نهاية الأمر مراحيض متنقلة فقط من أجلي. في المدرسة الثانوية، والتي كانت متاحة، تعلمت تماما كما أي تلميذ آخر، وقدمت جميع الامتحانات (البغروت) مثل أي تلميذة عادية. بعد أن أنهيت الدراسة في المدرسة فكرت بأن أدرس موضوع يناسب إعاقتي. موضوع لا يحتاج الكثير من الجهد الجسدي- أي أنني لا أحتاج في العمل لبذل الجهد. فاخترت في نهاية المطاف دراسة التشغيل والإدارة في الكلية. لم أدرس في الجامعة لأنني ظننت بأن الجامعة تحتوي على الكثير من البنايات والكثير من المشي وبأن الكلية شيء أصغر. درست في الكلية التكنولوجية في بئر السبع، وأنهيت لقب في التشغيل الهندسة والإدارة. بعد أن أنهيت الدراسة جاءت لحظة الحقيقة- الانخراط في سوق العمل. أرسلت سيرتي الذاتية لكل مكان يخطر في بالكم ولكن لم يستقبلني أي منها، بسبب الإعاقة. حتى عن طريق جمعية لبيب (وهي جمعية تساعد الأشخاص مع إعاقة على إجاد عمل)، جربت عن طريقهم ولكنهم هم أيضا لم ينجحوا. طوال سنة ونصف حاولت أن أجد مكان لأعمل ولكنني لم أنجح. ثم قررت بأن أذهب لأتطوع. بدأت بالتطوع في جمعية (يديد)- والذين يعملون في مجال الحقوق لدى الفئات الضعيفة في جميع المجتمعات. كان لنا في يوم من الأيام لقاء في المركز الجماهيري، اليوم الدولي للمعاق، وهكذا تعرفت على مؤسسة كيشر- تواصل- حيث كانت لهم مكانتهم في الفعالية. عندما تعرفت على المؤسسة وشعرت بأنها تتحدث إلي، يتحدثون عن الإعاقة، عن الأولاد الخاصين، عن العائلات الخاصة. قلت بأنني أريد التطوع عندهم. وتطوعت سنتين تقريبًا. شعرت حقا بأن هذه المؤسسة تتحدث إلي. عندما تساعد الأولاد مع إعاقة- وخصوصا في المجتمع البدوي. أردت كثيرا بأن يكون للأولاد مع إعاقة ولعائلاتهم مستقبل جميل مثل مستقبلي. أن يذهبوا للتعلم وأن يصلوا بعيدا، وخصوصا في مجتمعي (البدوي)، لأنني أنا أعرفهم وأعرف العلاقة وأعرف بأن الوضع أصعب. عملي في كيشر- تواصل مهم جدا من ناحية الدعم، المرافقة، المساعدة، إعطاءهم المعلومات، إخبارهم بالحقوق التي يستحقونها، لدعمهم، لنقول لهم بأن ولد مع إعاقة يستطيع الوصول بعيدا- ولكنه يحتاج مساعدتهم ودعمهم- مساعدة الأهل. تمكنا من خلال كيشر- تواصل من تأسيس مجموعات للأمهات في الوسط البدوي، والتي تواجه الكثير من الصعوبات، أيضا بسبب الولد مع إعاقة ذاته وأيضا الصعوبات في العائلة كلها بسبب الولد مع إعاقة. قبل تأسيس هذه المجموعات كانت كل الأمهات ببساطة وحيدات، ضعيفات، وحتى يمكننا القول بأنهن مسحوقات. الدورات التي قمنا فيها جعلتهن قويات جدا، جعلتهن يمسكن الأشياء بأيديهن، يساعدن أنفسهن، يساعدن عائلاتهن، وطبعا لمساعدة الولد مع إعاقة. من خلال مؤسسة كيشر- تواصل أنا أستطيع رفع الحقيقة إلى المجتمع بأن هنالك أولاد مع إعاقات في المجتمع البدوي، وبأن المجتمع يستطيع مساعدتهم ودعمهم واحتواءهم. تمثل مجموعات الأمهات تلك السفيرات للمجتمع البدوي على أرض الواقع، وهن يرافقن أيضًا أمهات آخرات ويساعدنهن. إنني سعيدة جدا للغاية لأنني استطعت تأسيس مجموعات الأمهات هذه، أمهات يستطعن المساعدة والدعم، ولا تزال الطريق أمامنا طويلة- لافتتاح ولتطوير مثل هذه المجموعات. جاء هذا كله لكي نساعد المجتمع البدوي، والذي فيه الكثير من الصعوبات- من الناحية الاجتماعية، الاقتصادية، آراء مسبقة (يجب عليهم الزواج بإحدى الفتيات من نفس العائلة وهذا هو السبب في وجود الكثير من الولادات لأولاد مع إعاقة في المجتمع البدوي). لهذا جاءت مؤسسة كيشر- تواصل من أجل رفع مستوى الوعي، ومحاولة إيقاف مثل هذه الظواهر، ولكي يفحصوا أنفسهم قبل أن يتزوجوا، ولكي يعلموا بأن الأمراض الوراثية يمكن أن ترافقهم لطيلة حياتهم، جاءت مؤسسة كيشر- تواصل أيضا لكي تساعدهم على التغلب على الحواجز التي يواجهونها- من ناحية اللغة، فإذا حصلوا على المعلومات التي يحتاجونها مترجمة للغة العربية، والمرافقة الفردية- هذا سيؤدي إلى تغيير كبير ومساعدة كبيرة من أجلهم. وأيضا صعوبات أخرى في داخل المجتمع- بأن الأم هي دائما يجب عليها الاهتمام أكثر من الأب بالولد، فتبقى الأمهات في كثير من الأوقات وحيدات- فجاءت مؤسسة كيشر- تواصل من أجل المساعدة والدعم.

أبي ليس لديه لقب جامعي- هو لا يستطيع القراءة ولا يستطيع الكتابة، أبي بنى عائلة موسعة من 3 زوجات و16 أبن، ولكنه مع هذا تمكن من الاهتمام بكل ابن وابنة. كان من المهم جدا بالنسبة له بأن يكون أبناءه مثقفين، بأن يكون لهم مستقبل على الرغم من أنه كان عاطل عن العمل بنفسه ويعيش على مخصصات التأمين الوطني بسبب حادث قاتل. أهم شيء في حياة الأولاد مع إعاقة هو الأهل والعائلة. وأنا أرى النتيجة بنفسي، فأبي لديه أولاد متعلمون ومثقفون، ولدى كل منهم عمله الخاص به والذي يفتخر فيه.

أهم شيء للأولاد مع إعاقة هو الأهل- فبدون مساعدة الأهل ودعمهم لن يتمكن الولد مع إعاقة من التقدم ولأن يكون ولد عادي في المجتمع.