زوجي، رجُلي العزيز، أنا أقدم لك هذه الكلمات، بعد 17 عامًا من زواجنا، أعوام عرفت الكثير الكثير من التقلبات. ولكننا ما زلنا معًا. عندما تعارفنا للمرة الأولى، كان ذلك ساحرًا، تمامًا كما قصة ساندريلا، كنت أنت أكثر مني نضوجًا، متّزن، قوي. كنت أنا حالمة مفعمة بالحياة، فتوافقنا على هذا الوئام. كنا بالفعل ثنائيًا يُحسد على ما يعيشه، يثير الإعجاب. كان العالم صغيرًا في عينينا حتى ظننا أننا سنطوّقه. كانت سنواتنا الأولى باهرةً وعاصفة. تنزهنا، بنينا منزلنا بما أشتهيه من تصميمي، إستمتعنا مع الأصدقاء، وأسسنا حياتنا كزوجين. كان كل منا أيضًا يغرق بتقدمه المهني والوظيفي، طالما تناقشنا حول “من صاحب العمل الأهم منا؟” ولكننا عملنا وارتزقنا، وشعرنا بالرضى والإنتاج. كان من الجلي استعدادنا الكامل لتوسيع عائلتنا وأن ننجب أولاد، أن نكون عائلة.
لم يكن ذلك في البداية سهلًا، فبعد عدة إجهاضات جعلتني فاقدةً للأمل ومصابةً بالخيبة، قررت الاستسلام. ألا يناسبني ذلك؟ قد لا أكون خُلقت لأكون أمًا أو ربما يجب أن لا نتحدى القدر. إلا أنك أصرت وساندت، كثيرًا سعيت ليكون لنا أولاد. ذلك ما حصل بالفعل عند الحمل التالي، ربما لشدة ما رغبت بإسعادك، واستمر الحمل… ولكن ليس لمدة طويلة، وُلدت ابنتنا في الخدّج، ومع شلل دماغي. لا أنسى ذلك اليوم، حين أحضرناها إلى منزلنا لأول مرة، بعد شهور طويلة في المستشفى. المنزل رائع التصميم الذي جهزته، المنزل الذي اختير كل ركن فيه وكل زاوية بعناية، وكأنه عالم بحد ذاته. ذلك كله لم يكن ذا قيمة بالنسبة لي، تافه وضيع. منظر رائع لعرض تراجيدي. كان ذلك كله يبدو وكأنه من عالم الماضي، عالم لا علاقة له بواقعنا الذي نعيشه اليوم. واقع مرير فاقم المعاناة.
أتعلم ابنتي أية غرفة صممتها لها؟ أتستطيع محادثتي؟ هل تناديني “أمي” يومًا؟ ما الذي ينتظرنا كزوجين؟ كامرأة؟ كيف بإمكاني عدم التفكير في كوني أم خاصة فجأةً؟ رغبت بالتنازل، بالموت، بدأت بتخيل نهايتي، تأملتها مليًا… رأيتني أموت في حادث سير، أمرض بمرض عضال يقضي علي أثناء نومي. لم أملك الشجاعة لتخيل وضع حد لحياتي بنفسي. ربما كانت تلك إشارة لي بأنني أتمسك بالحياة. تتالت الأيام وتعايشنا سويةً وكل على حدى. يوم يتلوه يوم يمر، تدهورت علاقتنا، ضعفت. كرست نفسك للعمل حتى صرت المعيل الرئيس لنا. ذهب شبابك وبدى الشيب على رأسك، تركت أنا عملي وعشت لتربية ابنتنا. أصبحت هي مشروع حياتي وأدركت أن علي أن أنقذها، أن أحسن ظروفها، وكلما حاولت فعل ذلك، كلما تدهورت علاقتنا أسرتنا. عم الحزن المكان، لم يزرنا الأصدقاء ولا العائلة بعد، كما أقلعنا نحن عن دعوتهم. استحوذت على كل حياتي تربية ابنتنا، بينما لم تكن أنت مطلقًا فيها.
ذلك حتى أخبرتني، وفجأةً، إنها النهاية. لن تستطيع الاستمرار في حياة جميلة في المحيط، كئيبة في البيت. قلت بأن البيت قد أضحى مقبرة الأحلام والآمال عندك. قلت أنني في داخلي أريد الاستمرار وحدي، وبأنك سوف تتنازل عنا.
إستأجرت شقة لا تبعد عن كلتينا، وشرعنا في مسار للوصول إلى اتفاقية طلاق. آنذاك، قررت أخيرًا إدخال عاملة أجنبية إلى منزلي، شعرت بأني لا أستطيع المضي وحدي وأخافتني أفكاري. بالتوازي، بدأت العلاج لدى أخصائية نفسية وصفت لي أدويةً مضادةً للاكتئاب. أدركت أن ليس لدي ما أخسر أكثر.
مرت الاأيام وتحسنت حالتي، تعلمت أن تنازلي عن نفسي يعني الأسوأ. تعلمت أن المنزل هو أنا. إن ضعفت، فإن البيت كله سوف ينهار، وإن كنت قوية، فإن البيت سيصمد. تعلمت استبدال الاستثمار في الجهد لتصميم المنزل باستثماره لأكون سعيدة، متأملة، متّزِنة، أحافظ على الكمال العائلي. تعلمت الاستثمار من أجل نفسي، لا أتجاهل نفسي أو هويتي: إبنة، صديقة، أخت، إمرأة وزوجة أيضًا. تعلمت أنه كان يجب علي تفريغ مكان لك في حياتي بدلًا من أن أراك معيقًا لما استحوذ علي من تربية ابنتنا. علمت أيضًا عدم قدرتي على أن تكون ابنتنا معافاة وبأن علي التعايش مع الواقع.
أوقفنا إجراءات الطلاق وعدت إلينا، ومنذ ذلك الوقت نتلقى العلاج سويةً وعلى انفراد سنوات طوال. نتوقف أحيانًا، ولكن إن شعرنا بتحدٍ جديد يقترب، نعود إلى العلاج مجددًا.
نعيش معًا، رزقنا بابن، ولد رائع يملأ البيت سعادة.
لا تسير الحياة كما رسمناها وأردناها ولكننا نحياها. لا يحتوي المنزل على كل شيء، ولكن فيه ما فيه. نتعايش يوميًا وباستمرار مع تحديات كثيرة، ولكننا نتخطاها معًا. علمتنا الحياة درسًا، فقررنا التقدم وعدم الاستسلام.
لم ننتهِ حتى الآن، ينتظرنا الكثير مما نقوم به، ولكن حتى اللحظة، نحن معًا، عائلة خاصة مع الكثير من الأعباء، الجيد منها وما دون ذلك، لا ندري ما ينتظرنا مستقبلًا، ولكن، وفي نضالنا من أجل أسرتنا، نحن المنتصرون…

27.06.2017